فوجئ ماجد بخسارته الكبيرة في أعماله التجارية، وفوجئ أكثر عندما علم أن سبب الخسارة هو سرقة منظمة كان يتعرض لها منذ شهور دون أن يدري، وأدرك بعد فوات الأوان..و تراكم الديون..و هجوم شبح الإفلاس أنه كان السبب في كل ما جرى وحصل معه عندما ترك للعاملين لديه إدارة الشركة وسلم إليهم أمور البيع والشراء وإطمأن لأمانتهم الزائفة وحكم ضميرهم الميت وأشغل نفسه بعقد الصفقات الجديدة والجري خلف عقودٍ وسفر يفتح له أبوابا أخرى، وراح يهتم بعلاقاته مع تجار كبار وينميها بولائم ودعوات وسهرات تجمعه بهم تاركا تفاصيل البيع والشراء لموظف أدرك غفلة صاحب العمل ونام ضميره، فأقام شبكة من العلاقات مع تجار صغار يشبهونه وراحوا يصرِّفون البضائع المتراكمة في المستودعات دون أن تمر على دفاتر وجداول الحسابات.
عاد بخيبته نحو تجارته ينميها بيده بعد أن طرد السارق دون أن يتمكن من محاسبته، وبدأ يبيع عقاراته ويسدد دينه ويعيد تنظيم بقية الديون ويجدولها ويضع خططا محكمة للعمل أدرك فيها أنه لابد من مباشرة العمل بنفسه.. ومراقبة كل صغيرة وكبيرة في تجارته.. مع تقييم متواصل لما وصل إليه، وفهم بعد تلك الأزمة أنه لابد من التعب والعمل الجاد للحفاظ على ما وصل إليه وأن الراحة والمتعة والسفر لن تنفعه ما لم يصاحبها كد وعرق وعمل دقيق جاد.
بعد خمس سنوات.. وبعد أن لاحت علامات إنقشاع الغيمة السوداء في الأفق.. وبعد أن سدد أغلب ديونه فاجأته زوجته بطلب الطلاق.. وبأنها تستعد للخروج من المنزل بعد صبرها طوال السنوات الخمس.. ووقوفها بجانبه تسانده بمالها وتدفع إيجار المنزل وتتولى الكثير من أموره، وأخبرته وهي تستعد للطلاق بأنها لم تعرف يوما طعما لحبه أو لحنانه أو لمودته تجعلها تعيد النظر في قرارها.. أو تخاف الندم، وأنها مطمئنة لأنها ستتركه وأزمته على أبواب النهاية وهو ما زال شابا قويا صحيح الجسم ويملك فرصة كبيرة ليجد من تحبه وتعيش معه حياة سعيدة.
كان يعلم أنه قد ألقى على كاهلها الكثير من المهام الصعبة وأنه إكتفى منذ بداية زواجهما بعمله في الخارج مع جلب ما يحتاجه المنزل وأنه كان في المنزل رجلا مدللا كما كان في بيت أهله، وأنه ظن أنها تستطيع حمل عبء العمل المنزلي والعمل في الخارج مع تربية الأولاد والإهتمام بشؤونهم وحدها طوال الوقت كما كانت والدته تهتم بالكثير من هذه الأشياء دون أن تتذمر ومن دون أن تسمع كلمة شكر واحدة.
من جديد أدرك صاحبنا أنه لم يدفع أي ثمن لحياة سعيدة تجمعه بزوجته وأنه لم يحاول كسب قلبها يوما، ولم يمسح رأسها بحنان طوال أعوام جمعتهما معا، وأنه لم يخبرها يوما بأنها جميلة.. أو أنيقة.. أو أنها مضيفة ممتازة.. وزوجة أصيلة.. وأنها مربية بارعة وأنه يحب العيش على طريقتها.
لم يخبرها أيضا أن مواهبها ونجاحها الشخصي هو ما جعله يتردد ويمتنع عن إمتداحها خوفا من أن يصيبها الغرور، وأنه لم يشكرها قط لوقوفها ودعمها له بمالها لأنه خشي من تكبرها عليه، وأنه أخبرها بأن شؤمها هو سر أزماته المتكررة لأنه علم من حديث شريف أن الشؤم إن كان في شيء ففي الفرس المرأة..، وأنه بكلمته هذه قد قطع شعرة معاوية التي كانت تربط بينهما وتحرص هي بصبرها عليها.
منعته رجولته من الإعتذار ومن الجلوس مع زوجه جلسة صفاء يحاول أن يستعيد بها حياتهما معا، وأصر على أن عصبيتها التي إزدادت مؤخرا هي من سوء خلقها، ناسيا أن عصبيته وسوء معاملته لها ولأولادهما وإهانته لها أمام الغرباء هو ما جعلها متوترة وأن تلك العصبية هي محاولة للحد من إهاناته وسوء خلقه.
أدرك أيضا أنها لم تعد تحتمل معاملته السيئة لها ولأطفالها الذين صبرت من أجلهم وأنها تعلم أنها ماضية نحو مجهول ولكنها قد عاهدت ربها على فراقه عندما تستنفذ الصبر على أخلاقه وقد توضح لها مؤخرا أنها لم تعد تمتلك شيئا منه.
وفوجئ أخيرا بأن أحدا من الأولاد لم يقبل بالعيش معه وأنهم سعداء بالطلاق والعيش مع والدتهم بعيدا عنه وأنهم راضون بكل الضغوط التي قد تمتحن صبرهم، وأن دفاعاته عن نفسه واتهامها بالعصبية وسوء الخلق لم تعد ترجعهم نحوه لأنهم كبروا وباتوا يفهمون كل ما يحصل، وأنه ترك كل المهمة لزوجته وحدها، فلم يُطعم ولم يُسكت ولم يَحمل أحدهم يوما عطفا عليه، وقد ترك لها أيضا شراء كل ما يحتاجونه وفعلت هي بصمت حتى إعتاد الأولاد عليها وإعتادت على الإنفاق عليهم، ولم يعد له مكان في حياتهم إلا بما يفرضه عليهم بصراخه وقسوته من قوانين وأوامر يقومون بها خوفا أو طمعا بكسب ود لم يمنحهم إياه إلا لفترات قصيرة، وأنه كان يكتفي بالإشراف والتعنيف وقليلا ما منحهم المديح والفخر بإنجازاتهم التي يشهد لهم بها الكثيرون.
ولم يجد له في قلوبهم سوى نزهات قام بها معهم لم يترك فيها عصبيته وصراخه في وجوههم، وأوامره المتصلبة وتذكر أنهم لم يطلبوا منه مرافقتهم منذ زمن طويل.
الكثير من الأمور التي تستوجب الندم مرت بباله ولم يكن ليخطر له أن تلك الراحة التي إستمتع بها عندما ترك تجارته وقلب زوجته وتربية أولاده لغيره قد إنقلبت وحشا يهدده بخسارة الجميع.
ما زال صاحبنا يفكر، وما زال يعتقد أن زوجته لن تكون جادة هذه المرة، وما زالت هي تهيئ نفسها للإنفصال بهدوء دون أن تطلب منه فلسا واحدا.
وقد بقيت تتعبه فكرة إهانة نفسه لو إعترف لها وللأولاد بأنه أساء إليهم.. ونسي واجبه تجاههم.. وأنه سيصلح الأمور وسيتغير، وبدأ يعزف على وتر جديد ويُذكرها بأنه سيتزوج بدلا منها صبية جميلة تسعده ويسعدها.
الكاتب: عبير النحاس.
المصدر: موقع رسالة المرأة.